المركز الإعلامي - المقالات


                                                                                        article image

النموذج الأوروبي للتميز المؤسسي مدخلاً للتطوير المنظمات الاهلية

بقلم : د.محمد ممدوح عبدالله

رئيس قطاع تطوير الجمعيات_بمؤسسة مصر الخير

 

ينص الهدف السادس عشر من أهداف التنمية المستدامة على "تعزيز المجتمعات العادلة والمسالمة والشاملة للتنمية المستدامة، وتوفير الوصول إلى العدالة للجميع، وبناء مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة على جميع المستويات" هنا يبرز الدور المحوري المتوقع من المنظمات الأهلية، ليس فقط كمنفذة لمشاريع، بل كفاعل رئيسي في بناء مؤسسات المجتمع القوية والشفافة ولكي تلتزم هذه المنظمات بهذا الدور الجوهري، فإنها تحتاج إلى نموذج متكامل يمكنها من ترجمة قيمها إلى ممارسات مؤسسية ملموسة، وهو ما يوفره النموذج الأوروبي للتميز المؤسسي.

 

يعد النموذج الأوروبي للتميز المؤسسي إطارا شاملا للتقييم الذاتي والتطوير المستمر، لا يقتصر على قياس الأداء بل يقدم فلسفة متكاملة لفهم كيفية تحقيق التميز تقوم هذه الفلسفة على منطق أساسي مفاده أن النتائج المتميزة التي تحقق تأثيرا مستداما في المجتمع، ما هي إلا ثمرة لتميز "الممكنات" أو العوامل الدافعة داخل المؤسسة هذه الممكنات تشمل القيادة التي تضع رؤية ملهمة وتخلق ثقافة التميز، والاستراتيجية التي يتم صياغتها بشكل يتوافق مع احتياجات جميع أصحاب المصلحة من مستفيدين ومانحين ومجتمع محلي كما تشمل الاستثمار في الأفراد وتطوير كفاءاتهم، وإدارة الموارد والشراكات بفعالية، وتصميم العمليات الداخلية لضمان أكبر قدر من الجودة والكفاءة.

 

تطبيق هذا النموذج على المنظمات الأهلية يمثل نقلة نوعية من العمل العشوائي إلى العمل المؤسسي الاستراتيجي فعندما تتبنى المنظمة الأهلية هذا النموذج، فإنها تبدأ رحلة من التشخيص الذاتي العميق الذي يحدد الفجوات بين ممارساتها الحالية ومعايير التميز هذا التشخيص ليس هدفاً بحد ذاته، بل هو نقطة انطلاق لتحويل الاستراتيجية من وثيقة جامدة إلى خطة عمل حية توجه جميع القرارات والموارد. كما أن التركيز على "النتائج" في النموذج يدفع المنظمة إلى عدم الاكتفاء بقياس الأنشطة والإنجازات الكمية، بل الانتقال إلى قياس الأثر الحقيقي على المجتمع ورضا المستفيدين، مما يعزز من مصداقيتها ويسهل عليها محاسبة نفسها أمام المجتمع والمانحين.

 

الأهم من ذلك، أن هذا النموذج يعزز بشكل عملي مبادئ الحوكمة الرشيدة داخل المنظمات الأهلية فمن خلال معاييره الواضحة، يفرض النموذج ممارسات الشفافية في الإفصاح عن النتائج، والمساءلة في استخدام الموارد، والمشاركة من خلال إشراك أصحاب المصلحة في صنع القرار هذه الممارسات هي بالضبط ما يدعو إليه الهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة، مما يجعل النموذج الأوروبي أداة عملية لتحويل هذه الغاية العالمية إلى واقع ملموس على أرض الواقع.

 

إن تبني النموذج الأوروبي للتميز المؤسسي يعني في جوهره أن العمل الخيري لم يعد مجرد لحظة عاطفية عابرة، بل تحول إلى استثمار استراتيجي في الرؤية المجتمعية الشاملة للتنمية إن مصير العمل الخيري مرتبط بقدرته على الانتقال من الفردية إلى المؤسسية، ومن العشوائية إلى التخطيط الاستراتيجى وهذا النموذج بالتحديد يمكن أن يكون أحد المداخل الأساسية لتحقيق هذه الرؤية، حيث يقدم خارطة طريق واضحة لتطوير وتنمية قطاع المنظمات الأهلية، لتصبح شريكاً فاعلا وحقيقياً في بناء مجتمعات قائمة على السلام والعدالة والمؤسسات القوية التي تخدم جميع أفرادها دون انتقاء.